إن مساعي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتقويض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) لا تقتصر على مجرد محاولة إقالة مسؤول، بل تشكل تهديدًا جذريًا لاستقلالية المؤسسة التي لطالما اعتبرت بمنأى عن التدخلات السياسية. منذ توليه منصبه في عام 2017، لم يتردد ترامب في انتقاد سياسات الاحتياطي الفيدرالي، خاصةً فيما يتعلق بأسعار الفائدة. وبلغ الأمر ذروته بالتهديد بإقالة رئيس البنك، جيروم باول، ومحاولة عزل ليزا كوك، إحدى أعضاء مجلس المحافظين.
يرى ترامب أن الاحتياطي الفيدرالي يتحمل جزءًا من مسؤولية التضخم الذي أعقب جائحة كوفيد-19، ويعتقد أن خفض أسعار الفائدة سيساهم في تحفيز النمو الاقتصادي، وخاصة في قطاع العقارات. لكن خبراء القانون والاقتصاد يحذرون من أن هذه التدخلات قد تؤدي إلى تسييس البنك المركزي وتقويض مصداقيته، مما يضر بالاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل.
تعني استقلالية الاحتياطي الفيدرالي قدرته على اتخاذ قرارات السياسة النقدية بما يخدم مصلحة الاقتصاد الأمريكي، دون الخضوع لضغوط سياسية. هذه الاستقلالية ضرورية بشكل خاص في الحالات التي تتطلب قرارات غير شعبية، مثل رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم. فالبنك المركزي المستقل يكون أكثر قدرة على مقاومة الضغوط السياسية قصيرة الأجل واتخاذ القرارات الصعبة التي تضمن الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
إذا تمكن ترامب من السيطرة على مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فسيصبح بإمكانه التحكم في أدوات حيوية تؤثر على الاقتصاد والبنية التحتية المالية للولايات المتحدة. على سبيل المثال، يمتلك مجلس المحافظين سلطة الرقابة على البنوك وإنفاذ القوانين. كما أن المجلس مسؤول عن تحديد سعر الخصم ونسبة الاحتياطي الإلزامي، وهما أداتان مهمتان في إدارة السيولة في النظام المصرفي. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك المجلس سلطة تعيين رؤساء البنوك الفيدرالية الإقليمية، مما يمنحه نفوذًا إضافيًا على السياسة النقدية.
يحذر الخبراء من أن تسييس الاحتياطي الفيدرالي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك التضخم المفرط وعدم الاستقرار المالي. ويشيرون إلى تجارب دول أخرى شهدت تدخلات سياسية في سياسات البنوك المركزية، مما أدى إلى أزمات اقتصادية حادة.
من ناحية أخرى، يرى البعض أن الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى إصلاح، وأنه تجاوز نطاق صلاحياته القانونية. ويقترحون إجراء تغييرات هيكلية، مثل إضافة أعضاء خارجيين إلى لجنة السياسة النقدية، وإعادة النظر في هدف التضخم البالغ 2%. ومع ذلك، يتفق معظم الخبراء على أن استقلالية البنك المركزي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والثقة في النظام المالي.
يبقى أن نرى ما إذا كان ترامب سينجح في مساعيه لتقويض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي. لكن المؤكد أن هذه القضية تثير تساؤلات مهمة حول مستقبل السياسة النقدية في الولايات المتحدة، وعن دور البنوك المركزية في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي العالمي.
تحذير بالمخاطر: تعكس هذه المقالة وجهات نظر الكاتب الشخصية فقط، ولا تمثل سوى مصدر مرجعي. كما أنها لا تُعَد نصيحة استثمارية أو توجيهًا ماليًا، ولا تُعبّر عن موقف منصة Markets.com.عند التفكير في تداول الأسهم، ومؤشرات الأسهم، والفوركس (العملات الأجنبية)، والسلع، والتنبؤ بأسعارها، فتذكر أن تداول عقود الفروقات ينطوي على درجة كبيرة من المخاطرة وقد ينتج عنه تكبد خسائر فادحة.أي أداء في الماضي لا يشير إلى أي نتائج مستقبلية. المعلومات المقدمة هي لأغراض معلوماتية فقط، ولا تشكل مشورة استثمارية. تداول عقود فروقات العملات الرقمية ومراهنات فروقات الأسعار محظور لكل العملاء الأفراد في بريطانيا.